كِتَابُ الوَقفِ إلى النّكَاح
/بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
سئل شيخ الإسلام أحمد بن تيمية ـ رحمه الله تعالى ـ عن رجل احتكر من رجل قطعة أرض بستان، ثم إن المحتكر عمر في أرض البستان صورة مسجد، وبني فيها محرابًا، وقال لمالك الأرض: هذا عمرته مسجدًا فلا تأخذ مني حكره، فأجابه إلى ذلك، ثم إن مالك الأرض باع البستان، ولم يستثن منه شيئا، فهل يصير هذا المكان مسجدًا بذلك أم لا؟ وإذا لم يصر مسجدًا بذلك، فهل يكون عدم أخذ مالك الأرض الحكر يصير مسجدًا؟ وإذا لم يصر بيع البستان جميعه، هل يجوز لباني صورة المسجد أن يضع ما بناه؟
فأجاب:
إذا لم يسبل للناس كما تسبل المساجد، بحيث تصلي فيه الصلوات الخمس التي تصلي في المساجد، لم يصر مسجدًا بمجرد الإذن في العمارة المذكورة، وإذا لم يكن قربة يقتضي خروجه من المبيع دخل في المبيع، فإن الشروع في تصييره مسجدًا لا يجعله مسجدًا.
/وكذلك القول في العمارة، لكن ينبغي لمن أخرج ثمن ذلك ألا يعود إلى ملكه، كمن أخرج من ماله مالًا ليتصدق به، فلم يجد السائل ينبغي له أن يمضي ذلك، ويتصدق به على سائل آخر، ولا يعيده إلى ملكه، وإن لم يجب.
وإذا صرف مثل هذا المكان في مصالح مسجد آخر جاز ذلك، بل إذا صار مسجدًا، وكان بحيث لا يصلي فيه أحد جاز أن ينقل إلى مسجد ينتفع به، بل إذا جاز أن يباع ويصرف ثمنه في مسجد آخر، بل يجوز أن يعمر عمارة ينتفع بها لمسجد آخر.
وسئل ـ رحمه الله ـ عمن بني مسجدًا، وأوقف حانوتًا على مؤذن وقيم معين، ولم يتسلم من ريع الحانوت شيئا في حياته، فهل يجوز تناوله بعد وفاته؟
فأجاب:
الحمد لله رب العالمين، إذا وقف وقفًا، ولم يخرج من يده، ففيه قولان مشهوران لأهل العلم:
أحدهما: يبطلُ، وهو مذهب مالك والإمام أحمد ـ في إحدى الروايتين ـ وقول أبي حنيفة وصاحبه محمد.
/والثاني: يلزم، وهو مذهب الشافعي والإمام أحمد ـ في إحدى الروايتين عن أحمد، والقول الثاني في مذهب أبي حنيفة وقول أبي يوسف. والله أعلم.
وسئل عن حقوق زاوية وهو بظاهرها، وقد أقيم فيه محراب منذ سنين، فرأي من له النظر على المكان المذكور المصلحة في بناء طبقة على ذلك المحراب، إما لسكن الإمام، أو لمن يخدم المكان من غير ضرورة تعود على المكان المذكور، ولا على أهله، فهل يجوز ذلك؟
فأجاب:
إذا لم يكن ذلك مسجدًا معدًا للصلوات الخمس، بل هو من حقوق المكان؛ جاز أن يبني فيه ما يكون من مصلحة المكان، ومجرد تصوير محراب لا يجعله مسجدًا، لاسيما إذا كان المسجد المعد للصلوات، ففي البناء عليه نزاع بين العلماء.
/ وسئل ـ رحمه الله ـ عمن استأجر أرضًا، وبني فيها دارًا ودكانًا أو شيئا يستحق له كري عشرين درهمًا كل شهر، إذا يعمر، وعليه حكر في كل شهر درهم ونصف توقف قديمًا، فهل يجوز للمستأجر أن يعمر مع ما قد عمره من الملك مسجدًا لله ويوقف الملك على المسجد؟
فأجاب:
يجوز أن يقف البناء الذي بناه في الأرض المستأجرة، سواء وقفه مسجدًا أو غير مسجد، ولا يسقط ذلك حق أهل الأرض، فإنه متى انتقضت مدة الإجارة وانهدم البناء، زال حكم الوقف، سواء كان مسجدًا أو غير مسجد، وأخذوا أرضهم فانتفعوا بها، وما دام البناء قائما فيها فعليه أجرة المثل، ولو وقف على ربع، أو دار مسجدًا، ثم انهدمت الدار، أو الربع، فإن وقف العلو لا يسقط حق ملاك السفل، كذلك وقف البناء لا يسقط على ملاك الأرض.
/ وسئل ـ رحمه الله ـ عمن وصى، أو وقف على جيرانه فما الحكم؟
فأجاب:
إذا لم يعرف مقصود الواقف والوصي، لا بقرينة لفظية ولا عرفية، ولا كان له عرف في مسمي الجيران، رجع في ذلك إلى المسمي الشرعي وهو أربعون دارًا من كل جانب؛ لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الجيران أربعون من هاهنا وهاهنا، والذي نفسي بيده لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه). والله أعلم.
وسئل عن رجل معرف على المراكب، وبني مسجدًا، وجعل للإمام في كل المراكب شهر أجرة من عنده، فهل هو حلال أم حرام؟ وهل تجوز الصلاة في المسجد أم لا؟
فأجاب:
إن كان يعطي هذه الدراهم من أجرة المراكب التي له جاز أخذها، وإن كان يعطيها مما يأخذ من الناس بغير حق فلا. والله أعلم.
/ وسئل ـ رحمه الله ـ عن قوم بيدهم وقف من جدهم من أكثر من مائة وخمسين سنة على مشهد مضاف إلى شيث، وعلى ذرية الواقف والفقراء، ونظره لهم، والوقف معروف بذلك من الزمان القديم. وقد ثبت ذلك في مجلس الحكم الشريف، وبيدهم مراسيم الملوك من زمان نور الدين، وصلاح الدين تشهد بذلك، وتأمر بإعفاء هذا الوقف، ورعاية حرمته، وقد قام نظار هذا الوقف في هذا الوقت طلبوا أن يفرقوا نصف المغل في عمارة المشهد، والنصف الذي يبقي لذريته يأخذونه لا يعطونهم إياه، ولا يصرفونه في مصارف الوقف؟
فأجاب:
لا يجوز هذا للناظر، ولا يجوز تمكينهم من أن يصرفوا الوقف في غير مصارفه الشرعية ولا حرمان ورثة الواقف والفقراء الداخلين في شرط الواقف، بل ذريته والفقراء أحق بأن يصرف إليهم ما شرط لهم من المشهد المذكور، فكيف يحرمون ـ والحال هذه ـ بل لو كان الوقف على المشهد وحده؛ لكان صرف ما يفضل إليهم مع حاجتهم أولى من صرفه إلى غيرهم.
/فمن صرف بعض الوقف على المشهد، وأخذ بعضه يصرفه فيما لم يقتضه الشرط، وحرم الذرية الداخلين في الشرط، فقد عصى الله ورسوله، وتعدي حدوده من وجوب أداء الوقف على ذرية الواقف، جائر باتفاق أئمة المسلمين المجوزين للوقف، وهو أمر قديم من زمن الصحابة والتابعين.
وأما بناء المشاهد على القبور والوقف عليها، فبدعة لم يكن على عهد الصحابة ولا التابعين ولا تابعيهم، بل ولا على عهد الأربعة.
وقد اتفق الأئمة على أنه لا يشرع بناء هذه المشاهد على القبور، ولا الإعانة على ذلك بوقف ولا غيره، ولا النذر لها، ولا العكوف عليها، ولا فضيلة للصلاة والدعاء فيها على المساجد الخالية عن القبور، فإنه يعرف أن هذا خلاف دين الإسلام المعلوم بالاضطرار المتفق عليه بين الأئمة، فإنه إن لم يرجع فإنه يستتاب، بل قد نص الأئمة المعتبرون على أن بناء المساجد على القبور ـ مثل هذا المشهد ونحوه ـ حرام؛ لما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) يحذر ما فعلوا. قالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ: ولولا ذلك لأبرز قبره، ولكن كره أن يتخذ مسجدًا.
وفي صحيح مسلم عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال ـ قبل أن يموت بخمس ـ: (إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد، ألا فلا/ تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك)، وفي السنن عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لعن الله زوارات القبور؛ والمتخذين عليها المساجد والسرج)، فقد لعن من يبني مسجدًا على قبر، ويوقد فيه سراجًا مثل قنديل وشمعة ونحو ذلك، فكيف يصرف مال أحدهم إلى ما نهي عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويترك صرف ما شرط لهم مع استحقاقهم ذلك في دين الله؟ ! نعم، لو كان هذا مسجدًا لله خاليًا عن قبر لكانوا هم وهو في متناول شرط الواقف لهما سواء.
أما ما يصرف لبناء المشهد فمعصية لله، والصرف إليهم واجب، وإن كان المسجد منفصلًا عن القبر، فحكمه حكم سائر مساجد المسلمين، ولكن لا فضيلة له على غيره. والله أعلم.
وسئل ـ رحمه الله ـ عن رجل وقف وقفا على مدرسة، وشرط في كتاب الوقف أنه لا ينزل بالمدرسة المذكورة إلا من لم يكن له وظيفة بجامكية ولا مرتب، وأنه لا يصرف ريعها لمن له مرتب في جهة أخرى، وشرط لكل طالب جامكية معلومة، فهل يصح هذا الشرط ـ والحالة هذه، وإذا صح فنقص ريع الوقف، ولم يصل كـل طالب إلى الجامكية المقررة له، فهل يجوز/ للطالب أن يتناول جامكية في مكان آخر؟ وإذا نقص ريع الوقف ولم يصل كل طالب إلى تمام حقه، فهل يجوز للناظر أن يبطل الشرط المذكور أم لا؟ وإذا حكم بصحة الوقف المذكور حاكم: هل يبطل الشرط والحالة هذه؟
فأجاب:
أصل هذه المسائل: أن شرط الواقف إن كان قربة وطاعة لله ورسوله كان صحيحًا، وإن لم يكن شرطًا لازمًا، وإن كان مباحًا، كما لم يسوغ النبي صلى الله عليه وسلم السبق إلا في خف أو حافر أو نصل، وإن كانت المسابقة بلا عوض قد جوزها بالأقدام وغيرها؛ ولأن الله ـ تعالى ـ قال في مال الفيء: {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ} [الحشر: 7]، فعلم أن الله يكره أن يكون المال دولة بين الأغنياء.
وإن كان الغني وصفًا مباحًا فلا يجوز الوقف على الأغنياء، وعلى قياسه سائر الصفات المباحة؛ ولأن العمل إذا لم يكن قربة لم يكن الواقف مثابًا على بذل المال فيه، فيكون قد صرف المال فيما لا ينفعه، لا في حياته ولا في مماته، ثم إذا لم يكن للعامل فيه منفعة في الدنيا، كان تعذيبًا له بلا فائدة تصل إليه، ولا إلى الواقف، ويشبه ما كانت الجاهلية تفعله من الأحباس المنبه عليها في سورة الأنعام والمائدة.
وإذا خلا العمل المشروط في العقود كلها عن منفعة في الدين أو في الدنيا، / كان باطلًا بالاتفاق في أصول كثيرة؛ لأنه شرط ليس في كتاب الله ـ تعالى، فيكون باطلًا، ولو كان مائة شرط.
مثال ذلك: أن يشرط عليه التزام نوع من المطعم أو الملبس أو المسكن الذي لم تستحبه الشريعة، أو ترك بعض الأعمال التي تستحب الشريعة عملها ونحو ذلك.
يبقي الكلام في تحقيق هذا المناط في اعتبار المسائل، فإنه قد يكون متفقًا عليه وقد يكون مختلفًا فيه؛ لاختلاف الاجتهاد في بعض الأعمال، فينظر في شرط ترك من جهة أخرى، فما لم يكن فيه مقصود شرعي ـ خالص أو راجح ـ كان باطلًا، وإن كان صحيحًا، ثم إذا نقص الريع عما شرطه الواقف جاز للطالب أن يرتزق تمام كفايته من جهة أخرى؛ لأن رزق الكفاية لطلبة العلم من الواجبات الشرعية، بل هو من المصالح الكلية التي لا قيام للخلق بدونها، فليس لأحد أن يشرط ما ينافيها، فكيف إذا لم يعلم أنه قصد ذلك؟
ويجوز للناظر مع هذه الحالة أن يوصل إلى المرتزقة بالعلم ما جعل لهم وألا يمنعهم من تناول تمام كفايتهم من جهة أخرى يرتبون فيها، وليس هذا إبطالًا للشرط، لكنه ترك العمل به عند تعذره، وشروط الله حكمها كذلك وحكم الحاكم لا يمنع ما ذكر.
/وهذه الأرزاق المأخوذة على الأعمال الدينية إنما هي أرزاق ومعاون على الدين، بمنزلة ما يرتزقه المقاتلة، والعلماء من الفيء، والواجبات الشرعية تسقط بالعذر؛ وليست كالجعالات على عمل دنيوي، ولا بمنزلة الإجارة عليها، فهذه حقيقة حال هذه الأموال. والله أعلم.
وسئل عن رجل وقف مدرسة، وشرط من يكون له بها وظيفة ألا يشتغل بوظيفة أخرى بغير مدرسته، وشرط له فيها مرتبًا معلومًا، وقال في كتاب الوقف: وإذا حصل في ريع هذه المدرسة نقص بسبب محل أو غيره كان ما بقي من ريع هذا الوقف مصروفًا في أرباب الوظائف بها، لكل منهم بالنسبة إلى معلومه بالمحاصصة. وقال في كتاب الوقف: وإذا حصل في السعر غلاء، فللناظر أن يرتب لهم زيادة على ما قرر لهم بحسب كفايتهم في ذلك الوقت، ثم إذا حصل في ريع الوقف نقص من جهة نقص وقفها بحيث إنه إذا ألغي هذا الشرط من عدم الجمع بينها وبين غيرها، يؤدي إلى تعطيل المدرسة، فهل يجوز لمن يكون بها أن يجمع بينها وبين غيرها ليحصل له قدر كفايته ـ والحالة هذه، حيث راعي الواقف الكفاية لمن يكون بها ـ أو كما تقدم في فصل غلاء السعر أم لا؟
/فأجاب:
الحمد لله، هذه الشروط المشروطة على من فيها كعدم الجمع إنما يلزم الوفاء بها إذا لم يفض ذلك إلى الإخلال بالمقصود الشرعي الذي هو يكون اسمك، إما واجب، وإما مستحب، فأما المحافظة على بعض الشروط مع فوات المقصود بالشروط فلا يجـوز، فاشتراط عدم الجمع باطل مع ذهاب بعض أصل الوقف، وعدم حصول الكفاية للمرتب بها لا يجب التزامه، ولا يجوز الإلزام به لوجهين:
أحدهما: أن ذلك إنما شرط عليهم مع وجود ريع الموقوف عليهم، سواء كان كاملًا أو ناقصًا، فإذا ذهب بعض أصل الوقف لم تكن الشروط مشروطة في هذه الحال، وفرق بين نقص ريع الوقف مع وجود أصله، وبين ذهاب بعض أصله.
الوجه الثاني: أن حصول الكفاية المرتب بها أمر لابد منه، حتى لو قدر أن الواقف صرح بخلاف ذلك كان شرطًا باطلًا، مثل أن يقول: إن المرتب بها لا يرتزق من غيرها ولو لم تحصل له كفايته، فلو صرح بهذا لم يصح؛ لأن هذا شرط يخالف كتاب الله، فإن حصول الكفاية لابد منها، وتحصيلها للمسلم واجب، إما عليه، وإما على المسلمين، فلا يصح شرط يخالف ذلك.
وقد ظهر أن الواقف لم يقصد ذلك؛ لأنه شرط لهم الكفاية، ولكن ذهاب بعض أموال الوقف بمنزلة تلف العين الموقوفة ونحو ذلك.
/والوقف سواء شبه بالجعل أو بالأجرة أو بالرزق، فإن ما على العامل أن يعمل إذا وفي له بما شرط له. والله أعلم.
وسئل ـ رحمه الله ـ عن رجل وقف وقفًا على مسجد، وأكفان الموتي، وشرط فيه الأرشد فالأرشد من ورثته، ثم للحاكم، وشرط لإمام المسجد ستة دراهم، والمؤذن والقيم بالتربة ستة دراهم، وشرط لهما دارين لسكناهما، ثم إن ريع الوقف زاد خمسة أمثاله، بحيث لا يحتاج الأكفان إلى زيادة، فجعل لهما الحاكم كل شهر ثلاثين درهمًا، ثم اطلع بعد ذلك على شرط الواقف فتوقف في أن يصرف عليهم ما زاد على شرط الواقف، فهل يجوز له ذلك؟ وهل يجوز لهما تناوله؟
وأيضًا الدار المذكورة انهدمت، فأحكرها ناظر الوقف كل سنة بدرهمين، فعمرها المستأجر، وأجرها في السنة بخمسين درهمًا، فهل يصح هذا الإحكار؟
فأجاب:
نعم يجوز أن يعطى الإمام والمؤذن من مثل هذا الوقف الفائض رزق مثلهما وإن كان زائدًا على ثلثين، بل إذا كانا فقيرين، وليس لما زاد مصرف معروف، جاز أن يصرف إليهما منه تمام كفايتهما؛ وذلك لوجهين:
/أحدهما: أن تقدير الواقف دراهم مقدرة في وقف مقدار ريع، قد يراد به النسبة، مثل أن يشرط له عشرة، والمغل مائة، ويراد به العشر، فإن كان هناك قرينة تدل على إرادة هذا عمل به. ومن المعلوم في العرف أن الوقف إذا كان مغله مائة درهم، وشرط له ستة ثم صار خمسمائة، فإن العادة في مثل هذا أن يشرط له أضعاف ذلك، مثل خمسة أمثاله، ولم تجر عادة من شرط ستة من مائة أن يشترط ستة من خمسمائة، فيحمل كلام الناس على ما جرت به عادتهم في خطابهم.
الثاني: أن الواقف لو لم يشترط هذا، فزائد الوقف يصرف في المصالح التي هي نظير مصالحه وما يشبهها، مثل صرفه في مساجد أخر، وفي فقراء الجيران ونحو ذلك؛ لأن الأمر دائر بين أن يصرف في مثل ذلك، أو يرصد لما يحدث من عمارة ونحوه، ورصده دائما مع زيادة الريع لا فائدة فيه، بل فيه مضرة، وهو حبسه لمن يتولي عليهم من الظالمين المباشرين والمتولين الذين يأخذونه بغير حق. وقد روي عن علي بن أبي طالب أنه حض الناس على مكاتب يجمعون له، ففضلت فضلة، فأمر بصرفها في المكاتبين، والسبب فيه أنه إذا تعذر المعين، صار الصرف إلى نوعه.
ولهذا كان الصحيح في الوقف هو هذا القول، وأن يتصدق بما فضل من كسوته، كما كان عمر بن الخطاب يتصدق كل عام بكسوة الكعبة يقسمها بين الحجاج.
/وإذا كان كذلك، فمن المعلوم أن صرف الفاضل إلى إمامه ومؤذنه مع الاستحقاق أولى من الصرف إلى غيرهما، وتقدير الواقف لا يمنع استحقاق الزيادة بسبب آخر، كما لا يمنع استحقاق غير مسجده.
وإذا كان كذلك، وقدر الأكفان التي هي المصروفة ببعض الريع، صرف ما يفضل إلى الإمام والمؤذن ما ذكر. والله أعلم.
وسئل ـ رحمه الله ـ عن رجل أوقف وقفًا، وشرط التنزيل فيه للشيخ، وشرط ألا ينزل فيه شرير ولا متجوه، وأنه نزل فيه شخص بالجاه، ثم بدا منه أمر يدل على أنه شرير، فرأى الشيخ المصلحة في صرفه اعتمادًا على شرط الواقف، ونزل الشيخ شخصًا آخر بطريق شرط الواقف، ومرسوم ألفاظه، فهل يجوز صرف من نزل بشرط الواقف بغير مستند شرعي، وإعادة المتجوه الشرير المخالف لشرط الواقف؟ وهل يحرم على الناظر والشيخ ذلك، ويقدح ذلك في ولايتهما؟ وهل يحرم على الساعي في ذلك المساعد له؟
فأجاب:
إذا علم شرط الواقف، عدل عنه إلى شرط الله قبل شرط الواقف إذا كان مخالفًا لشرط الله.
/فإن الجهات الدينية ـ مثل الخوانك، والمدارس وغيرها ـ لا يجوز أن ينزل فيها فاسق، سواء كان فسقه بظلمه للخلق، وتعديه عليهم بقوله وفعله، أو فسقه بتعديه حقوق الله التي بينه وبين الله، فإن كلًا من هذين الضربين يجب الإنكار عليه وعقوبته، فكيف يجوز أن يقرر في الجهات الدينية ونحوها؟ ! فكيف إذا شرط الواقف ذلك، فإنه يصير وجوبه مؤكدًا.
ومن نزل من أهل الاستحقاق تنزيلًا شرعيًا لم يجز صرفه لأجل هذا الظلم ولا لغيره، فكيف يجوز أن يستبدل الظالم بالعادل، والفاجر بالبر؟ ! ومن أعان على ذلك فقد أعان على الإثم والعدوان، سواء علم شرط الواقف، أو لم يعلم.
/ وسئل ـ رحمه الله ـ عن رجل أوقف وقفًا على مدرسة، وشرط فيها أن ثلث ريع الوقف للعمارة، والثلثين يكون للفقهاء وللمدرسة وأرباب الوظائف، وشرط أن الناظر يري بالمصلحة ـ والحال جاريًا كذلك ـ مدة ثلاثين سنة، وأن حصر المدرسة وملء الصهريج يكون من جامكية الفقهاء؛ لأن لهم غيبة وأماكن غيرها؛ وأن معلوم الإمام في كل شهر من الدراهم عشرون درهما، وكذلك المؤذن، فطلب الفقهاء بعد هذه المسألة أرباب الوظائف أن يشاركوهم فيما يؤخذ من جوامكهم، لأجل الحصر، وملء الصهريج، وأن أرباب الوظائف قائمون بهذه الوظيفة، ولو لم يكن لهم غيرها: هل يجب للناظر موافقة الفقهاء على ما طلبوه، ونقص هؤلاء المساكين عن معلومهم اليسير أم لا؟
فأجاب:
الحمد لله، إذا رأى الناظر تقديم أرباب الوظائف الذين يأخذون على عمل معلوم ـ كالإمام والمؤذن ـ فقد أصاب في ذلك، إذا كان الذي يأخذونه لا يزيد على جعل مثلهم في العادة، كما أنه يجب أن يقدم الجابي والعامل والصانع والبناء ونحوهم ممن يأخذ على عمل يعمله في تحصيل المال، أو عمارة المكان، يقدمون بأخذ الأجرة.
/والإمامة والأذان شعائر لا يمكن إبطالها، ولا تنقيصها بحال، فالجاعل جعل مثل ذلك لأصحابها يقدم على ما يأخذه الفقهاء، وهذا بخلاف المدرس والمفيد والفقهاء، فإنهم من جنس واحد.
وإن أمكن صرف ثمن الحصر، وملء الصهريج من ثلث العمارة أو غيره، يجعل ذلك، ويوفر الثلثان على مستحقيه، فإنه إذا شرط أن الثلث للعمارة والثلثين لأرباب الوظائف؛ لم يكن أخذ ثمن الحصر ونحوها من هذا أولى من صرفها من هذا، إلا أن يكون للوقف شرط شرعي بخلاف هذا.
وسئل عمن وقف تربة وشرط المقري عزبا، فهل يحل التنزل مع التزوج؟
فأجاب:
هذا شرط باطل، والمتأهل أحق بمثل هذا من المتعزب إذا استويا في سائر الصفات؛ إذ ليس في التعزب هنا مقصود شرعي.
/ وسئل ـ رحمه الله ـ عن رجل وقف وقفًا على عدد معلوم من النساء والأرامل والأيتام، وشرط النظر لنفسه في حياته، ثم الصالح من ولده بعد وفاته ذكرًا كان أو أنثي، وللواقف أقارب من أولاد أولاده ممن هو محتاج، وقصد الناظر أن يميزهم على غيرهم في الصرف: هل يجوز أن يميزهم؟
فأجاب:
إذا استووا هم وغيرهم في الحاجة، فأقارب الواقف يقدمون على نظرائهم الأجانب، كما يقدمون لصلته فـــي حــياته، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (صَدقتُك على المسلمين صدقة، وعلى ذوي الرحم صدقة وصلة).
ولهذا يؤمر أن يوصى لأقاربه الذين لا يرثون، إما أمر إيجاب على قول بعض العلماء، وإما أمر استحباب كقول الأكثرين، وهما روايتان عن أحمد. والله أعلم.
/ وسئل ـ قدس الله روحه ـ عن رجل وقف وقفًا على جهة معينة، وشرط شروطًا، ومات الواقف ولم يثبت الوقف على حاكم، وعدم الكتاب قبل ذلك، ثم عمل محضرًا مجردًا يخالف الشروط والأحكام المذكورة في كتاب الوقف، وأثبت على حاكم بعد تاريخ الوقف المتقدم ذكره سنتين، ثم ظهر كتاب الوقف، وفيه شروط لم يتضمن المحضر شيئا منها، وتوجه الكتاب للثبوت، فهل يجوز منع ثبوته، والعمل المذكور أم لا؟
فأجاب:
الحمد لله، لا يجوز منع ثبوته بحال من الأحوال، بل إذا أمكن ثبوته وجب ثبوته والعمل به، وإن خالفه المحضر المثبت بعده، وإن حكم بذلك المحضر حاكم، فالحاكم به معذور بكونه لم يثبت عنده ما يخالفه، ولكن إذا ظهر ما يقال: إنه كتاب الوقف، وجب التمكن من إثباته بالطريق الشرعي، فإن ثبت وجب العمل به. والله أعلم.
/ وسئل عن رجل أوقف وقفًا، وشرط في بعض شروطه أنهم يقرؤون ما تيسر، ويسبحون ويهللون ويكبرون ويصلون على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الفجر إلى طلوع الشمس، فهل الأفضل السر أو الجهر؟ وإن شرط الواقف فما يكون؟
فأجاب:
الحمد لله، بل الإسرار بالذكر والدعاء ـ كالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وغيرها ـ أفضل، ولا هو الأفضل مطلقا، إلا لعارض راجح، وهو في هذا الوقت أفضل خصوصًا، فإن الله يقول: {وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً} [الأعراف: 205]، وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما رأى الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ يرفعون أصواتهم بالذكر قال: (أيها الناس، اربعوا على أنفسكم، فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا، وإنما تدعون سميعًا قريبًا، إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته)، وفي الحديث: (خير الذكر الخفي، وخير الرزق ما كفى). والله أعلم.
/بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
سئل شيخ الإسلام أحمد بن تيمية ـ رحمه الله تعالى ـ عن رجل احتكر من رجل قطعة أرض بستان، ثم إن المحتكر عمر في أرض البستان صورة مسجد، وبني فيها محرابًا، وقال لمالك الأرض: هذا عمرته مسجدًا فلا تأخذ مني حكره، فأجابه إلى ذلك، ثم إن مالك الأرض باع البستان، ولم يستثن منه شيئا، فهل يصير هذا المكان مسجدًا بذلك أم لا؟ وإذا لم يصر مسجدًا بذلك، فهل يكون عدم أخذ مالك الأرض الحكر يصير مسجدًا؟ وإذا لم يصر بيع البستان جميعه، هل يجوز لباني صورة المسجد أن يضع ما بناه؟
فأجاب:
إذا لم يسبل للناس كما تسبل المساجد، بحيث تصلي فيه الصلوات الخمس التي تصلي في المساجد، لم يصر مسجدًا بمجرد الإذن في العمارة المذكورة، وإذا لم يكن قربة يقتضي خروجه من المبيع دخل في المبيع، فإن الشروع في تصييره مسجدًا لا يجعله مسجدًا.
/وكذلك القول في العمارة، لكن ينبغي لمن أخرج ثمن ذلك ألا يعود إلى ملكه، كمن أخرج من ماله مالًا ليتصدق به، فلم يجد السائل ينبغي له أن يمضي ذلك، ويتصدق به على سائل آخر، ولا يعيده إلى ملكه، وإن لم يجب.
وإذا صرف مثل هذا المكان في مصالح مسجد آخر جاز ذلك، بل إذا صار مسجدًا، وكان بحيث لا يصلي فيه أحد جاز أن ينقل إلى مسجد ينتفع به، بل إذا جاز أن يباع ويصرف ثمنه في مسجد آخر، بل يجوز أن يعمر عمارة ينتفع بها لمسجد آخر.
وسئل ـ رحمه الله ـ عمن بني مسجدًا، وأوقف حانوتًا على مؤذن وقيم معين، ولم يتسلم من ريع الحانوت شيئا في حياته، فهل يجوز تناوله بعد وفاته؟
فأجاب:
الحمد لله رب العالمين، إذا وقف وقفًا، ولم يخرج من يده، ففيه قولان مشهوران لأهل العلم:
أحدهما: يبطلُ، وهو مذهب مالك والإمام أحمد ـ في إحدى الروايتين ـ وقول أبي حنيفة وصاحبه محمد.
/والثاني: يلزم، وهو مذهب الشافعي والإمام أحمد ـ في إحدى الروايتين عن أحمد، والقول الثاني في مذهب أبي حنيفة وقول أبي يوسف. والله أعلم.
وسئل عن حقوق زاوية وهو بظاهرها، وقد أقيم فيه محراب منذ سنين، فرأي من له النظر على المكان المذكور المصلحة في بناء طبقة على ذلك المحراب، إما لسكن الإمام، أو لمن يخدم المكان من غير ضرورة تعود على المكان المذكور، ولا على أهله، فهل يجوز ذلك؟
فأجاب:
إذا لم يكن ذلك مسجدًا معدًا للصلوات الخمس، بل هو من حقوق المكان؛ جاز أن يبني فيه ما يكون من مصلحة المكان، ومجرد تصوير محراب لا يجعله مسجدًا، لاسيما إذا كان المسجد المعد للصلوات، ففي البناء عليه نزاع بين العلماء.
/ وسئل ـ رحمه الله ـ عمن استأجر أرضًا، وبني فيها دارًا ودكانًا أو شيئا يستحق له كري عشرين درهمًا كل شهر، إذا يعمر، وعليه حكر في كل شهر درهم ونصف توقف قديمًا، فهل يجوز للمستأجر أن يعمر مع ما قد عمره من الملك مسجدًا لله ويوقف الملك على المسجد؟
فأجاب:
يجوز أن يقف البناء الذي بناه في الأرض المستأجرة، سواء وقفه مسجدًا أو غير مسجد، ولا يسقط ذلك حق أهل الأرض، فإنه متى انتقضت مدة الإجارة وانهدم البناء، زال حكم الوقف، سواء كان مسجدًا أو غير مسجد، وأخذوا أرضهم فانتفعوا بها، وما دام البناء قائما فيها فعليه أجرة المثل، ولو وقف على ربع، أو دار مسجدًا، ثم انهدمت الدار، أو الربع، فإن وقف العلو لا يسقط حق ملاك السفل، كذلك وقف البناء لا يسقط على ملاك الأرض.
/ وسئل ـ رحمه الله ـ عمن وصى، أو وقف على جيرانه فما الحكم؟
فأجاب:
إذا لم يعرف مقصود الواقف والوصي، لا بقرينة لفظية ولا عرفية، ولا كان له عرف في مسمي الجيران، رجع في ذلك إلى المسمي الشرعي وهو أربعون دارًا من كل جانب؛ لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الجيران أربعون من هاهنا وهاهنا، والذي نفسي بيده لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه). والله أعلم.
وسئل عن رجل معرف على المراكب، وبني مسجدًا، وجعل للإمام في كل المراكب شهر أجرة من عنده، فهل هو حلال أم حرام؟ وهل تجوز الصلاة في المسجد أم لا؟
فأجاب:
إن كان يعطي هذه الدراهم من أجرة المراكب التي له جاز أخذها، وإن كان يعطيها مما يأخذ من الناس بغير حق فلا. والله أعلم.
/ وسئل ـ رحمه الله ـ عن قوم بيدهم وقف من جدهم من أكثر من مائة وخمسين سنة على مشهد مضاف إلى شيث، وعلى ذرية الواقف والفقراء، ونظره لهم، والوقف معروف بذلك من الزمان القديم. وقد ثبت ذلك في مجلس الحكم الشريف، وبيدهم مراسيم الملوك من زمان نور الدين، وصلاح الدين تشهد بذلك، وتأمر بإعفاء هذا الوقف، ورعاية حرمته، وقد قام نظار هذا الوقف في هذا الوقت طلبوا أن يفرقوا نصف المغل في عمارة المشهد، والنصف الذي يبقي لذريته يأخذونه لا يعطونهم إياه، ولا يصرفونه في مصارف الوقف؟
فأجاب:
لا يجوز هذا للناظر، ولا يجوز تمكينهم من أن يصرفوا الوقف في غير مصارفه الشرعية ولا حرمان ورثة الواقف والفقراء الداخلين في شرط الواقف، بل ذريته والفقراء أحق بأن يصرف إليهم ما شرط لهم من المشهد المذكور، فكيف يحرمون ـ والحال هذه ـ بل لو كان الوقف على المشهد وحده؛ لكان صرف ما يفضل إليهم مع حاجتهم أولى من صرفه إلى غيرهم.
/فمن صرف بعض الوقف على المشهد، وأخذ بعضه يصرفه فيما لم يقتضه الشرط، وحرم الذرية الداخلين في الشرط، فقد عصى الله ورسوله، وتعدي حدوده من وجوب أداء الوقف على ذرية الواقف، جائر باتفاق أئمة المسلمين المجوزين للوقف، وهو أمر قديم من زمن الصحابة والتابعين.
وأما بناء المشاهد على القبور والوقف عليها، فبدعة لم يكن على عهد الصحابة ولا التابعين ولا تابعيهم، بل ولا على عهد الأربعة.
وقد اتفق الأئمة على أنه لا يشرع بناء هذه المشاهد على القبور، ولا الإعانة على ذلك بوقف ولا غيره، ولا النذر لها، ولا العكوف عليها، ولا فضيلة للصلاة والدعاء فيها على المساجد الخالية عن القبور، فإنه يعرف أن هذا خلاف دين الإسلام المعلوم بالاضطرار المتفق عليه بين الأئمة، فإنه إن لم يرجع فإنه يستتاب، بل قد نص الأئمة المعتبرون على أن بناء المساجد على القبور ـ مثل هذا المشهد ونحوه ـ حرام؛ لما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) يحذر ما فعلوا. قالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ: ولولا ذلك لأبرز قبره، ولكن كره أن يتخذ مسجدًا.
وفي صحيح مسلم عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال ـ قبل أن يموت بخمس ـ: (إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد، ألا فلا/ تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك)، وفي السنن عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لعن الله زوارات القبور؛ والمتخذين عليها المساجد والسرج)، فقد لعن من يبني مسجدًا على قبر، ويوقد فيه سراجًا مثل قنديل وشمعة ونحو ذلك، فكيف يصرف مال أحدهم إلى ما نهي عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويترك صرف ما شرط لهم مع استحقاقهم ذلك في دين الله؟ ! نعم، لو كان هذا مسجدًا لله خاليًا عن قبر لكانوا هم وهو في متناول شرط الواقف لهما سواء.
أما ما يصرف لبناء المشهد فمعصية لله، والصرف إليهم واجب، وإن كان المسجد منفصلًا عن القبر، فحكمه حكم سائر مساجد المسلمين، ولكن لا فضيلة له على غيره. والله أعلم.
وسئل ـ رحمه الله ـ عن رجل وقف وقفا على مدرسة، وشرط في كتاب الوقف أنه لا ينزل بالمدرسة المذكورة إلا من لم يكن له وظيفة بجامكية ولا مرتب، وأنه لا يصرف ريعها لمن له مرتب في جهة أخرى، وشرط لكل طالب جامكية معلومة، فهل يصح هذا الشرط ـ والحالة هذه، وإذا صح فنقص ريع الوقف، ولم يصل كـل طالب إلى الجامكية المقررة له، فهل يجوز/ للطالب أن يتناول جامكية في مكان آخر؟ وإذا نقص ريع الوقف ولم يصل كل طالب إلى تمام حقه، فهل يجوز للناظر أن يبطل الشرط المذكور أم لا؟ وإذا حكم بصحة الوقف المذكور حاكم: هل يبطل الشرط والحالة هذه؟
فأجاب:
أصل هذه المسائل: أن شرط الواقف إن كان قربة وطاعة لله ورسوله كان صحيحًا، وإن لم يكن شرطًا لازمًا، وإن كان مباحًا، كما لم يسوغ النبي صلى الله عليه وسلم السبق إلا في خف أو حافر أو نصل، وإن كانت المسابقة بلا عوض قد جوزها بالأقدام وغيرها؛ ولأن الله ـ تعالى ـ قال في مال الفيء: {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ} [الحشر: 7]، فعلم أن الله يكره أن يكون المال دولة بين الأغنياء.
وإن كان الغني وصفًا مباحًا فلا يجوز الوقف على الأغنياء، وعلى قياسه سائر الصفات المباحة؛ ولأن العمل إذا لم يكن قربة لم يكن الواقف مثابًا على بذل المال فيه، فيكون قد صرف المال فيما لا ينفعه، لا في حياته ولا في مماته، ثم إذا لم يكن للعامل فيه منفعة في الدنيا، كان تعذيبًا له بلا فائدة تصل إليه، ولا إلى الواقف، ويشبه ما كانت الجاهلية تفعله من الأحباس المنبه عليها في سورة الأنعام والمائدة.
وإذا خلا العمل المشروط في العقود كلها عن منفعة في الدين أو في الدنيا، / كان باطلًا بالاتفاق في أصول كثيرة؛ لأنه شرط ليس في كتاب الله ـ تعالى، فيكون باطلًا، ولو كان مائة شرط.
مثال ذلك: أن يشرط عليه التزام نوع من المطعم أو الملبس أو المسكن الذي لم تستحبه الشريعة، أو ترك بعض الأعمال التي تستحب الشريعة عملها ونحو ذلك.
يبقي الكلام في تحقيق هذا المناط في اعتبار المسائل، فإنه قد يكون متفقًا عليه وقد يكون مختلفًا فيه؛ لاختلاف الاجتهاد في بعض الأعمال، فينظر في شرط ترك من جهة أخرى، فما لم يكن فيه مقصود شرعي ـ خالص أو راجح ـ كان باطلًا، وإن كان صحيحًا، ثم إذا نقص الريع عما شرطه الواقف جاز للطالب أن يرتزق تمام كفايته من جهة أخرى؛ لأن رزق الكفاية لطلبة العلم من الواجبات الشرعية، بل هو من المصالح الكلية التي لا قيام للخلق بدونها، فليس لأحد أن يشرط ما ينافيها، فكيف إذا لم يعلم أنه قصد ذلك؟
ويجوز للناظر مع هذه الحالة أن يوصل إلى المرتزقة بالعلم ما جعل لهم وألا يمنعهم من تناول تمام كفايتهم من جهة أخرى يرتبون فيها، وليس هذا إبطالًا للشرط، لكنه ترك العمل به عند تعذره، وشروط الله حكمها كذلك وحكم الحاكم لا يمنع ما ذكر.
/وهذه الأرزاق المأخوذة على الأعمال الدينية إنما هي أرزاق ومعاون على الدين، بمنزلة ما يرتزقه المقاتلة، والعلماء من الفيء، والواجبات الشرعية تسقط بالعذر؛ وليست كالجعالات على عمل دنيوي، ولا بمنزلة الإجارة عليها، فهذه حقيقة حال هذه الأموال. والله أعلم.
وسئل عن رجل وقف مدرسة، وشرط من يكون له بها وظيفة ألا يشتغل بوظيفة أخرى بغير مدرسته، وشرط له فيها مرتبًا معلومًا، وقال في كتاب الوقف: وإذا حصل في ريع هذه المدرسة نقص بسبب محل أو غيره كان ما بقي من ريع هذا الوقف مصروفًا في أرباب الوظائف بها، لكل منهم بالنسبة إلى معلومه بالمحاصصة. وقال في كتاب الوقف: وإذا حصل في السعر غلاء، فللناظر أن يرتب لهم زيادة على ما قرر لهم بحسب كفايتهم في ذلك الوقت، ثم إذا حصل في ريع الوقف نقص من جهة نقص وقفها بحيث إنه إذا ألغي هذا الشرط من عدم الجمع بينها وبين غيرها، يؤدي إلى تعطيل المدرسة، فهل يجوز لمن يكون بها أن يجمع بينها وبين غيرها ليحصل له قدر كفايته ـ والحالة هذه، حيث راعي الواقف الكفاية لمن يكون بها ـ أو كما تقدم في فصل غلاء السعر أم لا؟
/فأجاب:
الحمد لله، هذه الشروط المشروطة على من فيها كعدم الجمع إنما يلزم الوفاء بها إذا لم يفض ذلك إلى الإخلال بالمقصود الشرعي الذي هو يكون اسمك، إما واجب، وإما مستحب، فأما المحافظة على بعض الشروط مع فوات المقصود بالشروط فلا يجـوز، فاشتراط عدم الجمع باطل مع ذهاب بعض أصل الوقف، وعدم حصول الكفاية للمرتب بها لا يجب التزامه، ولا يجوز الإلزام به لوجهين:
أحدهما: أن ذلك إنما شرط عليهم مع وجود ريع الموقوف عليهم، سواء كان كاملًا أو ناقصًا، فإذا ذهب بعض أصل الوقف لم تكن الشروط مشروطة في هذه الحال، وفرق بين نقص ريع الوقف مع وجود أصله، وبين ذهاب بعض أصله.
الوجه الثاني: أن حصول الكفاية المرتب بها أمر لابد منه، حتى لو قدر أن الواقف صرح بخلاف ذلك كان شرطًا باطلًا، مثل أن يقول: إن المرتب بها لا يرتزق من غيرها ولو لم تحصل له كفايته، فلو صرح بهذا لم يصح؛ لأن هذا شرط يخالف كتاب الله، فإن حصول الكفاية لابد منها، وتحصيلها للمسلم واجب، إما عليه، وإما على المسلمين، فلا يصح شرط يخالف ذلك.
وقد ظهر أن الواقف لم يقصد ذلك؛ لأنه شرط لهم الكفاية، ولكن ذهاب بعض أموال الوقف بمنزلة تلف العين الموقوفة ونحو ذلك.
/والوقف سواء شبه بالجعل أو بالأجرة أو بالرزق، فإن ما على العامل أن يعمل إذا وفي له بما شرط له. والله أعلم.
وسئل ـ رحمه الله ـ عن رجل وقف وقفًا على مسجد، وأكفان الموتي، وشرط فيه الأرشد فالأرشد من ورثته، ثم للحاكم، وشرط لإمام المسجد ستة دراهم، والمؤذن والقيم بالتربة ستة دراهم، وشرط لهما دارين لسكناهما، ثم إن ريع الوقف زاد خمسة أمثاله، بحيث لا يحتاج الأكفان إلى زيادة، فجعل لهما الحاكم كل شهر ثلاثين درهمًا، ثم اطلع بعد ذلك على شرط الواقف فتوقف في أن يصرف عليهم ما زاد على شرط الواقف، فهل يجوز له ذلك؟ وهل يجوز لهما تناوله؟
وأيضًا الدار المذكورة انهدمت، فأحكرها ناظر الوقف كل سنة بدرهمين، فعمرها المستأجر، وأجرها في السنة بخمسين درهمًا، فهل يصح هذا الإحكار؟
فأجاب:
نعم يجوز أن يعطى الإمام والمؤذن من مثل هذا الوقف الفائض رزق مثلهما وإن كان زائدًا على ثلثين، بل إذا كانا فقيرين، وليس لما زاد مصرف معروف، جاز أن يصرف إليهما منه تمام كفايتهما؛ وذلك لوجهين:
/أحدهما: أن تقدير الواقف دراهم مقدرة في وقف مقدار ريع، قد يراد به النسبة، مثل أن يشرط له عشرة، والمغل مائة، ويراد به العشر، فإن كان هناك قرينة تدل على إرادة هذا عمل به. ومن المعلوم في العرف أن الوقف إذا كان مغله مائة درهم، وشرط له ستة ثم صار خمسمائة، فإن العادة في مثل هذا أن يشرط له أضعاف ذلك، مثل خمسة أمثاله، ولم تجر عادة من شرط ستة من مائة أن يشترط ستة من خمسمائة، فيحمل كلام الناس على ما جرت به عادتهم في خطابهم.
الثاني: أن الواقف لو لم يشترط هذا، فزائد الوقف يصرف في المصالح التي هي نظير مصالحه وما يشبهها، مثل صرفه في مساجد أخر، وفي فقراء الجيران ونحو ذلك؛ لأن الأمر دائر بين أن يصرف في مثل ذلك، أو يرصد لما يحدث من عمارة ونحوه، ورصده دائما مع زيادة الريع لا فائدة فيه، بل فيه مضرة، وهو حبسه لمن يتولي عليهم من الظالمين المباشرين والمتولين الذين يأخذونه بغير حق. وقد روي عن علي بن أبي طالب أنه حض الناس على مكاتب يجمعون له، ففضلت فضلة، فأمر بصرفها في المكاتبين، والسبب فيه أنه إذا تعذر المعين، صار الصرف إلى نوعه.
ولهذا كان الصحيح في الوقف هو هذا القول، وأن يتصدق بما فضل من كسوته، كما كان عمر بن الخطاب يتصدق كل عام بكسوة الكعبة يقسمها بين الحجاج.
/وإذا كان كذلك، فمن المعلوم أن صرف الفاضل إلى إمامه ومؤذنه مع الاستحقاق أولى من الصرف إلى غيرهما، وتقدير الواقف لا يمنع استحقاق الزيادة بسبب آخر، كما لا يمنع استحقاق غير مسجده.
وإذا كان كذلك، وقدر الأكفان التي هي المصروفة ببعض الريع، صرف ما يفضل إلى الإمام والمؤذن ما ذكر. والله أعلم.
وسئل ـ رحمه الله ـ عن رجل أوقف وقفًا، وشرط التنزيل فيه للشيخ، وشرط ألا ينزل فيه شرير ولا متجوه، وأنه نزل فيه شخص بالجاه، ثم بدا منه أمر يدل على أنه شرير، فرأى الشيخ المصلحة في صرفه اعتمادًا على شرط الواقف، ونزل الشيخ شخصًا آخر بطريق شرط الواقف، ومرسوم ألفاظه، فهل يجوز صرف من نزل بشرط الواقف بغير مستند شرعي، وإعادة المتجوه الشرير المخالف لشرط الواقف؟ وهل يحرم على الناظر والشيخ ذلك، ويقدح ذلك في ولايتهما؟ وهل يحرم على الساعي في ذلك المساعد له؟
فأجاب:
إذا علم شرط الواقف، عدل عنه إلى شرط الله قبل شرط الواقف إذا كان مخالفًا لشرط الله.
/فإن الجهات الدينية ـ مثل الخوانك، والمدارس وغيرها ـ لا يجوز أن ينزل فيها فاسق، سواء كان فسقه بظلمه للخلق، وتعديه عليهم بقوله وفعله، أو فسقه بتعديه حقوق الله التي بينه وبين الله، فإن كلًا من هذين الضربين يجب الإنكار عليه وعقوبته، فكيف يجوز أن يقرر في الجهات الدينية ونحوها؟ ! فكيف إذا شرط الواقف ذلك، فإنه يصير وجوبه مؤكدًا.
ومن نزل من أهل الاستحقاق تنزيلًا شرعيًا لم يجز صرفه لأجل هذا الظلم ولا لغيره، فكيف يجوز أن يستبدل الظالم بالعادل، والفاجر بالبر؟ ! ومن أعان على ذلك فقد أعان على الإثم والعدوان، سواء علم شرط الواقف، أو لم يعلم.
/ وسئل ـ رحمه الله ـ عن رجل أوقف وقفًا على مدرسة، وشرط فيها أن ثلث ريع الوقف للعمارة، والثلثين يكون للفقهاء وللمدرسة وأرباب الوظائف، وشرط أن الناظر يري بالمصلحة ـ والحال جاريًا كذلك ـ مدة ثلاثين سنة، وأن حصر المدرسة وملء الصهريج يكون من جامكية الفقهاء؛ لأن لهم غيبة وأماكن غيرها؛ وأن معلوم الإمام في كل شهر من الدراهم عشرون درهما، وكذلك المؤذن، فطلب الفقهاء بعد هذه المسألة أرباب الوظائف أن يشاركوهم فيما يؤخذ من جوامكهم، لأجل الحصر، وملء الصهريج، وأن أرباب الوظائف قائمون بهذه الوظيفة، ولو لم يكن لهم غيرها: هل يجب للناظر موافقة الفقهاء على ما طلبوه، ونقص هؤلاء المساكين عن معلومهم اليسير أم لا؟
فأجاب:
الحمد لله، إذا رأى الناظر تقديم أرباب الوظائف الذين يأخذون على عمل معلوم ـ كالإمام والمؤذن ـ فقد أصاب في ذلك، إذا كان الذي يأخذونه لا يزيد على جعل مثلهم في العادة، كما أنه يجب أن يقدم الجابي والعامل والصانع والبناء ونحوهم ممن يأخذ على عمل يعمله في تحصيل المال، أو عمارة المكان، يقدمون بأخذ الأجرة.
/والإمامة والأذان شعائر لا يمكن إبطالها، ولا تنقيصها بحال، فالجاعل جعل مثل ذلك لأصحابها يقدم على ما يأخذه الفقهاء، وهذا بخلاف المدرس والمفيد والفقهاء، فإنهم من جنس واحد.
وإن أمكن صرف ثمن الحصر، وملء الصهريج من ثلث العمارة أو غيره، يجعل ذلك، ويوفر الثلثان على مستحقيه، فإنه إذا شرط أن الثلث للعمارة والثلثين لأرباب الوظائف؛ لم يكن أخذ ثمن الحصر ونحوها من هذا أولى من صرفها من هذا، إلا أن يكون للوقف شرط شرعي بخلاف هذا.
وسئل عمن وقف تربة وشرط المقري عزبا، فهل يحل التنزل مع التزوج؟
فأجاب:
هذا شرط باطل، والمتأهل أحق بمثل هذا من المتعزب إذا استويا في سائر الصفات؛ إذ ليس في التعزب هنا مقصود شرعي.
/ وسئل ـ رحمه الله ـ عن رجل وقف وقفًا على عدد معلوم من النساء والأرامل والأيتام، وشرط النظر لنفسه في حياته، ثم الصالح من ولده بعد وفاته ذكرًا كان أو أنثي، وللواقف أقارب من أولاد أولاده ممن هو محتاج، وقصد الناظر أن يميزهم على غيرهم في الصرف: هل يجوز أن يميزهم؟
فأجاب:
إذا استووا هم وغيرهم في الحاجة، فأقارب الواقف يقدمون على نظرائهم الأجانب، كما يقدمون لصلته فـــي حــياته، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (صَدقتُك على المسلمين صدقة، وعلى ذوي الرحم صدقة وصلة).
ولهذا يؤمر أن يوصى لأقاربه الذين لا يرثون، إما أمر إيجاب على قول بعض العلماء، وإما أمر استحباب كقول الأكثرين، وهما روايتان عن أحمد. والله أعلم.
/ وسئل ـ قدس الله روحه ـ عن رجل وقف وقفًا على جهة معينة، وشرط شروطًا، ومات الواقف ولم يثبت الوقف على حاكم، وعدم الكتاب قبل ذلك، ثم عمل محضرًا مجردًا يخالف الشروط والأحكام المذكورة في كتاب الوقف، وأثبت على حاكم بعد تاريخ الوقف المتقدم ذكره سنتين، ثم ظهر كتاب الوقف، وفيه شروط لم يتضمن المحضر شيئا منها، وتوجه الكتاب للثبوت، فهل يجوز منع ثبوته، والعمل المذكور أم لا؟
فأجاب:
الحمد لله، لا يجوز منع ثبوته بحال من الأحوال، بل إذا أمكن ثبوته وجب ثبوته والعمل به، وإن خالفه المحضر المثبت بعده، وإن حكم بذلك المحضر حاكم، فالحاكم به معذور بكونه لم يثبت عنده ما يخالفه، ولكن إذا ظهر ما يقال: إنه كتاب الوقف، وجب التمكن من إثباته بالطريق الشرعي، فإن ثبت وجب العمل به. والله أعلم.
/ وسئل عن رجل أوقف وقفًا، وشرط في بعض شروطه أنهم يقرؤون ما تيسر، ويسبحون ويهللون ويكبرون ويصلون على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الفجر إلى طلوع الشمس، فهل الأفضل السر أو الجهر؟ وإن شرط الواقف فما يكون؟
فأجاب:
الحمد لله، بل الإسرار بالذكر والدعاء ـ كالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وغيرها ـ أفضل، ولا هو الأفضل مطلقا، إلا لعارض راجح، وهو في هذا الوقت أفضل خصوصًا، فإن الله يقول: {وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً} [الأعراف: 205]، وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما رأى الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ يرفعون أصواتهم بالذكر قال: (أيها الناس، اربعوا على أنفسكم، فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا، وإنما تدعون سميعًا قريبًا، إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته)، وفي الحديث: (خير الذكر الخفي، وخير الرزق ما كفى). والله أعلم.