منتدى ابناء برع اليمن

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى ابناء برع اليمن

محمية برع الطبيعيه توجد فيها من الاشجار النادره والحيوانات النادره افضل غابه استوائيه


    كتاب الجنا زه

    avatar
    ماجد عبده احمد الاهدل
    Admin


    المساهمات : 326
    تاريخ التسجيل : 28/01/2011
    العمر : 26

    كتاب الجنا زه  Empty كتاب الجنا زه

    مُساهمة  ماجد عبده احمد الاهدل السبت أكتوبر 01, 2011 11:55 am

    حجهم أفضل من حج غيرهم، بل لأنه لابد من طريق يسلكونها، فسلكوا هذه إما ليسرها عليهم، وإما لغير ذلك، وإن كان الجميع سواء، فينبغي أن يفرق بين اختيار بعض الوجوه المشروعة لفضله في نفسه عند مختاره، وبين كون اختيار واحد منها ضروري‏.‏ والمرجح له عنده سهولته عليه، أو غير ذلك‏.‏

    والسلف كان كل منهم يقرأ ويصلي ويدعو ويذكر على وجه مشروع، وأخذ ذلك الوجه عنه أصحابه، وأهل بقعته، وقد تكون تلك الوجوه سواء، وقد يكون بعضها أفضل، فجاء في الخلف من يريد أن يجعل اختياره لما اختاره لفضله، فجاء الآخر فعارضه في ذلك، ونشأ من ذلك أهواء مردية مضلة،فقد يكون النوعان سواء عند الله ورسوله فتري كل طائفة طريقها أفضل،وتحب من يوافقها على ذلك، وتعرض عمن يفعل ذلك الآخر، فيفضلون ما سوي الله بينه، ويسوون ما فضل الله بينه، وهذا باب من أبواب التفرق والاختلاف الذي دخل على الأمة‏.‏وقد نهى عنه الكتاب والسنة،وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن عين هذا الاختلاف في الحديث الصحيح،كما قررت مثل ذلك في ‏[‏الصراط المستقيم‏]‏،حيث قال‏:‏ ‏(‏اقرؤوا كما علمتم‏)‏‏.‏/فالواجب أن هذه الأنواع لا يفضل بعضها على بعض إلا بدليل شرعي،لا يجعل نفس تعيين واحد منها لضرورة أداء العبادة موجبا لرجحانه؛فإن الله إذا أوجب على عتق رقبة، أو صلاة جماعة، كان من ضرورة ذلك، أن أعتق رقبة وأصلى جماعة،ولا يجب أن تكون أفضل من غيرها،بل قد لا تكون أفضل بحال،فلابد من نظر في الفضل، ثم إذا فرض أن الدليل الشرعي يوجب الرجحان، لم يعب على من فعل الجائز، ولا ينفر عنه لأجل ذلك، ولا يزاد الفضل على مقدار ما فضلته الشريعة، فقد يكون الرجحان يسيرا‏.‏

    لكن هنا مسألة تابعة، وهو أنه مع التساوي أو الفضل، أيما أفضل للإنسان‏:‏ المداومة على نوع واحد من ذلك، أو أن يفعل هذا تارة، وهذا تارة، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل‏؟‏ فمن الناس من يداوم على نوع من ذلك مختارا له، أو معتقدا أنه أفضل، ويري أن مداومته على ذلك النوع أفضل‏.‏ وأما أكثرهم فمداومته عادة، ومراعاة لعادة أصحابه وأهل طريقته، لا لاعتقاد الفضل‏.‏

    والصواب أن يقال‏:‏ التنوع في ذلك متابعة للنبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ فإن في هذا اتباعا للسنة والجماعة، وإحياء لسنته، وجمعا بين قلوب الأمة، وأخذاً بما في كل واحد من الخاصة، أفضل من المداومة على نوع معين، لم يداوم عليه النبي صلى الله عليه وسلم لوجوه‏:‏

    /أحدها‏:‏ أن هذا هو اتباع السنة والشريعة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان قد فعل هذا تارة، وهذا تارة، ولم يداوم على أحدهما، كان موافقته في ذلك هو التأسي والاتباع المشروع، وهو أن يفعل ما فعل على الوجه الذي فعل؛ لأنه فعله‏.‏

    الثاني‏:‏ أن ذلك يوجب اجتماع قلوب الأمة وائتلافها، وزوال كثرة التفرق والاختلاف والأهواء بينها، وهذه مصلحة عظيمة، ودفع مفسدة عظيمة، ندب الكتاب والسنة إلى جلب هذه، ودرء هذه، قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 103‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏105‏]‏‏.‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 159‏]‏‏.‏

    الثالث‏:‏ أن ذلك يخرج الجائز المسنون عن أن يشبه بالواجب، فإن المداومة على المستحب أو الجائز مشبهة بالواجب‏.‏ ولهذا أكثر هؤلاء المداومين على بعض الأنواع الجائزة أو المستحبة لو انتقل عنه لنفر عنه قلبه، وقلب غيره أكثر مما ينفر عن ترك كثير من الواجبات؛ لأجل العادة التي جعلت الجائز كالواجب‏.‏

    الرابع‏:‏ أن في ذلك تحصيل مصلحة كل واحـد مـن تلك الأنواع، فإن كل نوع لابد له من خاصة، وإن كان مرجـوحا، فكيف إذا كان / مساوياً، وقد قدمنا أن المرجوح يكون راجحاً في مواضع‏؟‏‏!‏

    الخامس‏:‏ أن في ذلك وضعا لكثير من الآصار والأغلال التي وضعها الشيطان على الأمة بلا كتاب من الله، ولا أثارة من علم، فإن مداومة الإنسان على أمر جائز مرجحاً له على غيره، ترجيحاً يحب من يوافقه عليه، ولا يحب من لم يوافقه عليه، بل ربما أبغضه، بحيث ينكر عليه تركه له، ويكون ذلك سبباً لترك حقوق له وعليه، يوجب أن ذلك يصير إصراً عليه، لا يمكنه تركه، وغلا في عنقه يمنعه أن يفعل بعض ما أمر به، وقد يوقعه في بعض ما نهي عنه‏.‏

    وهذا القدر الذي قد ذكرته واقع كثيراً، فإن مبدأ المداومة على ذلك يورث اعتقادا ومحبة غير مشروعين، ثم يخرج إلى المدح والذم، والأمر والنهي، بغير حق، ثم يخرج ذلك إلى نوع من الموالاة والمعاداة غير المشروعين، من جنس أخلاق الجاهلية كأخلاق الأوس والخزرج في الجاهلية، وأخلاق‏.‏‏.‏‏.‏

    ثم يخرج من ذلك إلى العطاء والمنع، فيبذل ماله على ذلك عطية ودفعاً، وغير ذلك من غير استحقاق شرعي، ويمنع من أمر الشارع / بإعطائه إيجابا أو استحبابا، ثم يخرج من ذلك إلى الحرب والقتال، كما وقع في بعض أرض المشرق، ومبدأ ذلك تفضيل ما لم تفضله الشريعة والمداومة عليه، وإن لم يعتقد فضله سبب لاتخاذه فاضلا اعتقاداً وإرادة فتكون المداومة على ذلك إما منهيا عنها، وإما مفضولة‏.‏ والتنوع في المشروع بحسب ما تنوع فيه الرسول صلى الله عليه وسلم أفضل وأكمل‏.‏

    السادس‏:‏ أن في المداومة على نوع دون غيره، هجران لبعض المشروع وذلك سبب لنسيانه والإعراض عنه، حتى يعتقد أنه ليس من الدين، بحيث يصير في نفوس كثير من العامة أنه ليس من الدين، وفي نفوس خاصة هذه العامة عملهم مخالف علمهم، فإن علماءهم يعلمون أنه من الدين ثم يتركون بيان ذلك إما خشية من الخلــق، وإما اشتراء بآيات الله ثمنا قليلا من الرئاســة والمال، كما كان عليه أهل الكتاب، كما قد رأينا من تعود ألا يسمع إقامة إلا موترة، أو مشفوعة، فإذا سمع الإقامة الأخري، نفر عنها وأنكرها، ويصير كأنه سمع أذاناً ليس أذان المسلمين، وكذلك من اعتاد القنوت قبل الركوع أو بعده‏.‏

    وهجران بعض المشروع سبب لوقوع العداوة والبغضاء بين الأمة‏.‏ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَي أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏14‏]‏‏.‏/ فأخبر ـ سبحانه ـ أن نسيانهم حظا مما ذكروا به سبب لإغراء العداوة والبغضاء بينهم‏.‏ فإذا اتبع الرجل جميع المشروع المسنون، واستعمل الأنواع المشروعة، هذا تارة، وهذا تارة، كان قد حفظت السنة علما وعملاً، وزالت المفسدة المخوفة من ترك ذلك‏.‏

    ونكتة هذا الوجه‏:‏ أنه وإن جاز الاقتصار على فعل نوع، لكن حفظ النوع الآخر من الدين ليعلم أنه جائز مشروع، وفي العمل به تارة حفظ للشريعة، وترك ذلك قد يكون سببا لإضاعته ونسيانه‏.‏

    السابع‏:‏ أن الله يأمر بالعدل والإحسان، والعدل‏:‏ التسوية بين المتماثلين، وحرم الظلم على نفسه، وجعله محرما بين عباده، ومن أعظم العدل العدل في الأمور الدينية، فإن العدل في أمر الدنيا من الدماء والأموال كالقصاص والمواريث، وإن كان واجباً وتركه ظلم، فالعدل في أمر الدين أعظم منه، وهو العدل بين شرائع الدين، وبين أهله‏.‏

    فإذا كان الشارع قد سوي بين عملين أو عاملين، كان تفضيل أحدهما من الظلم العظيم، وإذا فضل بينهما، كانت التسوية كذلك، والتفضيل أو التسوية بالظن وهوي النفوس من جنس دين الكفار، فإن جميع أهل الملل والنحل يفضل أحدهم دينه إما ظنا، وإما هوي، إما اعتقاداً، وإما اقتصاداً، وهو سبب التمسك به وذم غيره‏.‏

    /فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد شرع تلك الأنواع إما بقوله، وإما بعمله، وكثير منها لم يفضل بعضها على بعض، كانت التسوية بينها من العدل والتفضيل من الظلم، وكثير مما تتنازع الطوائف من الأمة في تفاضل أنواعه، لا يكون بينها تفاضل، بل هي متساوية‏.‏ وقد يكون ما يختص به أحدهما مقاوماً لما يختص به الآخر، ثم تجد أحدهم يسأل‏:‏ أيما أفضل هذا أو هذا‏؟‏ وهي مسألة فاسدة، فإن السؤال عن التعيين فرع ثبوت الأصل، فمن قال إن بينهما تفاضلا حتى نطلب عين الفاضل‏؟‏‏!‏

    والواجب أن يقال‏:‏ هذان متماثلان، أو متفاضلان، وإن كانا متفاضلين‏:‏ فهل التفاضل مطلقا، أو فيه تفصيل بحيث يكون هذا أفضل في وقت، وهذا أفضل في وقت‏؟‏ ثم إذا كانت المسألة كما تري، فغالب الأجوبة صادرة عن هوي وظنون كاذبة خاطئة، ومن أكبر أسباب ذلك المداومة على ما لم تشرع المداومة عليه‏.‏ والله أعلم‏.‏

    / وسئل ـ رحمه الله تعالى‏:‏ هل التهنئة في العيد وما يجري على ألسنة الناس‏:‏ ‏[‏عيدك مبارك‏]‏ وما أشبهه، هل له أصل في الشريعة أم لا‏؟‏ وإذا كان له أصل في الشريعة، فما الذي يقال‏؟‏ أفتونا مأجورين‏.‏

    فأجاب‏:‏

    أما التهنئة يوم العيد يقول بعضهم لبعض إذا لقيه بعد صلاة العيد‏:‏ تقبل الله منا ومنكم، وأحاله الله عليك، ونحو ذلك‏.‏ فهذا قد روي عن طائفة من الصحابة أنهم كانوا يفعلونه ورخص فيه الأئمة، كأحمد وغيره‏.‏

    لكن قال أحمد‏:‏ أنا لا أبتدئ أحداً، فإن ابتدأني أحد، أجبته‏.‏ وذلك لأن جواب التحية واجب، وأما الابتداء بالتهنئة، فليس سنة مأمورا بها، ولا هو ـ أيضاً ـ مما نهى عنه، فمن فعله، فله قدوة، ومن تركه، فله قدوة‏.‏ والله أعلم‏.‏

    / باب صلاة الكسوف

    سُئِلَ شيخ الإسلام عن قول أهل التقاويم‏:‏ في أن الرابع عشر من هذا الشهر يخسف القمر، وفي التاسع والعشرين تكسف الشمس ، فهل يصدقون في ذلك ‏؟‏ وإذا خسفا هل يصلي لهما أم يسبح ‏؟‏ وإذا صلى، كيف صفة الصلاة ‏؟‏ واذكرلنا أقوال العلماء في ذلك‏.‏

    فأجاب‏:‏

    الحمد لله، الخسوف والكسوف لهما أوقات مقدرة، كما لطلوع الهلال وقت مقدر، وذلك ما أجري الله عادته بالليل والنهار، والشتاء والصيف، وسائر ما يتبع جريان الشمس والقمر‏.‏

    وذلك من آيات الله تعالى‏.‏ كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ‏}‏ ‏[‏الأنبياء‏:‏ 33‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ‏}‏ ‏[‏يونس‏:‏5‏]‏، وقال تعالى‏:‏/ ‏{‏الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ‏}‏ ‏[‏الرحمن‏:‏ 5‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعليمِ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 96‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِي َمَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏189‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 36‏]‏‏.‏

    وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعليمِ وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حتى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ‏}‏ ‏[‏يس‏:‏37ـ40‏]‏‏.‏

    وكما أن العادة التي أجراها الله ـ تعالى ـ أن الهلال لا يستهل إلا ليلة ثلاثين من الشهر، أو ليلة إحدي وثلاثين، وأن الشهر لا يكون إلا ثلاثين، أو تسعة وعشرين‏.‏ فمن ظن أن الشهر يكون أكثر من ذلك أو أقل، فهو غالط‏.‏

    فكذلك أجري الله العادة أن الشمس لا تكسف إلا وقت الاستسرار، وأن القمر لا يخسف إلا وقت الإبدار، ووقت إبداره هي الليالي البيض التي يستحب صيام أيامها‏:‏ ليلة الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر‏.‏ فالقمر لا يخسف إلا في هذه الليالي‏.‏

    /والهلال يستسر آخر الشهر‏:‏ إما ليلة، وإما ليلتين‏.‏ كما يستسر ليلة تسع وعشرين، وثلاثين، والشمس لا تكسف إلا وقت استسراره‏.‏ وللشمس والقمر ليالي معتادة، من عرفها عرف الكسوف والخسوف‏.‏ كما أن من علم كم مضي من الشهر يعلم أن الهلال يطلع في الليلة الفلانية أو التي قبلها‏.‏

    لكن العلم بالعادة في الهلال علم عام، يشترك فيه جميع الناس، وأما العلم بالعادة في الكسوف والخسوف فإنما يعرفه من يعرف حساب جريانهما، وليس خبر الحاسب بذلك من باب علم الغيب، ولا من

    باب ما يخبر به من الأحكام التي يكون كذبه فيها أعظم من صدقه، فإن ذلك قول بلا علم ثابت، وبناء على غير أصل صحيح‏.‏

    وفي سنن أبي داود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر، زاد ما زاد‏)‏‏.‏ وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏من أتي عرافا فسأله عن شيء فصدقه، لم يقبل الله صلاته أربعين يوما‏)‏‏.‏ والكهان أعلم بما يقولونه من المنجمين في الأحكام، ومع هذا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن إتيانهم، ومسألتهم، فكيف بالمنجم‏؟‏‏!‏ وقد بسطنا هذا في غير هذا الموضع، عن هذا الجواب‏.‏

    /وأما ما يعلم بالحساب، فهو مثل العلم بأوقات الفصول، كأول الربيع، والصيف، والخريف، والشتاء، لمحاذاة الشمس أوائل البروج، التي يقولون فيها أن الشمس نزلت في برج كذا‏:‏ أي حاذته‏.‏

    ومن قال من الفقهاء‏:‏ إن الشمس تكسف في غير وقت الاستسرار فقد غلط، وقال ما ليس له به علم‏.‏ وما يروي عن الواقدي من ذكره‏:‏ أن إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم مات يوم العاشر من الشهر، وهو اليوم الذي صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الكسوف، غلط‏.‏ والواقدي لا يحتج بمسانيده، فكيف بما أرسله من غير أن يسنده إلى أحد‏؟‏ وهذا فيما لم يعلم أنه خطأ، فأما هذا، فيعلم أنه خطأ‏.‏ ومن جوز هذا، فقد قفا ما ليس له به علم، ومن حاج في ذلك فقد حاج في ما ليس له به علم‏.‏

    وأما ما ذكره طائفة من الفقهاء من اجتماع صلاة العيد والكسوف، فهذا ذكروه في ضمن كلامهم فيما إذا اجتمع صلاة الكسوف وغيرها من الصلوات، فقد رأوا اجتماعها مع الوتر، والظهر، وذكروا صلاة العيد، مع عدم استحضارهم هل يمكن ذلك في العادة أو لا يمكن، فلا يوجد في تقديرهم ذلك العلم بوجود ذلك في الخارج، لكن استفيد من ذلك العلم، علم ذلك على تقدير وجوده، كما يقدرون مسائل يعلم أنها لا تقع لتحرير القواعد، وتمرين الأذهان على ضبطها‏.‏

    /وأما تصديق المخبر بذلك وتكذيبه، فلا يجوز أن يصدق إلا أن يعلم صدقه، ولا يكذب إلا أن يعلم كذبه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم، ولا تكذبوهم فإما أن يحدثوكم بحق فتكذبوهم، وإما أن يحدثوكم بباطل فتصدقوهم‏)‏

    والعلم بوقت الكسوف والخسوف وإن كان ممكنا، لكن هذا المخبر المعين قد يكون عالما بذلك، وقد لا يكون‏.‏ وقد يكون ثقة في خبره، وقد لا يكون‏.‏ وخبر المجهول الذي لا يوثق بعلمه وصدقه ولا يعرف كذبه موقوف‏.‏ ولو أخبر مخبر بوقت الصلاة ـ وهو مجهول? ـ لم يقبل خبره، ولكن إذا تواطأ خبر أهل الحساب على ذلك فلا يكادون يخطئون، ومع هذا فلا يترتب على خبرهم علم شرعي، فإن صلاة الكسوف والخسوف لا تصلي إلا إذا شاهدنا ذلك، وإذا جوز الإنسان صدق المخبر بذلك، أو غلب على ظنه فنوي أن يصلي الكسوف والخسوف عند ذلك، واستعد ذلك الوقت لرؤية ذلك، كان هذا حثا من باب المسارعة إلى طاعة الله ـ تعالى ـ وعبادته، فإن الصلاة عند الكسوف متفق عليها بين المسلمين، وقد تواترت بها السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورواها أهل الصحيح، والسنن، والمسانيد من وجوه كثيرة‏.‏ واستفاض عنه أنه صلى بالمسلمين صلاة الكسوف يوم مات ابنه إبراهيم‏.‏

    /وكأن بعض الناس ظن أن كسوفها كان، لأن إبراهيم مات، فخطبهم النبي صلى الله عليه وسلم، وقال‏:‏ ‏(‏إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا يخسفان لموت أحد، ولا لحياته، فإذا رأيتموهما، فافزعوا إلى الصلاة‏)‏‏.‏ وفي رواية في الصحيح‏:‏ ‏(‏ولكنهما آيتان من آيات الله يخوف بهما عباده‏)‏‏.‏ وهذا بيان منه صلى الله عليه وسلم أنهما سبب لنزول عذاب بالناس، فإن الله إنما يخوف عباده بما يخافونه إذا عصوه، وعصوا رسله، وإنما يخاف الناس مما يضرهم، فلولا إمكان حصول الضرر بالناس عند الخسوف، ما كان ذلك تخويفاً، قال تعالى ‏{‏وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 59‏]‏، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بما يزيل الخوف، أمر بالصلاة والدعاء، والاستغفار، والصدقة، والعتق، حتى يكشف ما بالناس، وصلى بالمسلمين في الكسوف صلاة طويلة‏.‏

    وقد روي في صفة صلاة الكسوف أنواع، لكن الذي استفاض عند أهل العلم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورواه البخاري ومسلم من غير وجه، وهو الذي استحبه أكثر أهل العلم ـ كمالك، والشافعي، وأحمد ـ‏:‏ أنه صلى بهم ركعتين، في كل ركعة ركوعان، يقرأ قراءة طويلة، ثم يركع ركوعاً طويلا، دون القراءة، ثم يقوم فيقرأ قراءة طويلة دون القراءة الأولى، ثم يركع ركوعاً دون الركوع / الأول، ثم يسجد سجدتين طويلتين‏.‏ وثبت عنه في الصحيح‏:‏ أنه جهر بالقراءة فيها‏.‏

    والمقصود أن تكون الصلاة وقت الكسوف إلى أن يتجلى، فإن فرغ من الصلاة قبل التجلي، ذكر الله ودعاه، إلى أن يتجلى‏.‏

    والكسوف يطول زمانه تارة، ويقصر أخري، بحسب ما يكسف منها، فقد تكسف كلها، وقد يكسف نصفها، أو ثلثها‏.‏ فإذا عظم الكسوف طول الصلاة، حتى يقرأ بالبقرة ونحوها، في أول ركعة، وبعد الركوع الثاني يقرأ بدون ذلك‏.‏

    وقد جاءت الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم بما ذكرناه كله مثل ما في الصحيحين عن أبي مسعود الأنصاري قال‏:‏ انكسفت الشمس يوم مات إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ فقال الناس‏:‏ انكسفت الشمس لموت إبراهيم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد، ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله، وإلى الصلاة‏)‏‏.‏ وفي الصحيح عن أبي موسى أنه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏هذه الآيات التي يرسلها الله لا تكون لموت أحـد، ولا لحياته، ولكن الله يخـوف بها عباده، فإذا رأيتم شيئاً مـن ذلك، فافزعوا إلى ذكره، / ودعائه، واستغفاره‏)‏‏.‏ وفي الصحيحين من حديث جابر أنه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، وإنهما لا ينكسفان لموت أحد من الناس، فإذا رأيتم شيئاً من ذلك

    فصلوا حتى ينجلي‏)‏‏.‏ وفي رواية عن أبي مسعود‏:‏ ‏(‏فإذا رأيتم شيئاً منها، فصلوا وادعوا، حتى يكشف ما بكم‏)‏‏.‏ وفي رواية لعائشة‏:‏ ‏(‏فصلوا حتى يفرج الله ما بكم‏)‏‏.‏

    وفي الصحيحين عن عائشة‏:‏ أن الشمس خسفت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد، فقام وكبر، وصف الناس وراءه، فاقترأ رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءة طويلة، ثم كبر فركع ركوعا طويلا، ثم رفع رأسه، فقال‏:‏ سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد‏.‏ ثم قام فاقترأ قراءة طويلة ـ هي أدنى من القراءة الأولى ـ ثم كبر فركع ركوعاً طويلاً ـ هو أدنى من الركوع الأول ـ ثم قال‏:‏ سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، ثم سجد، ثم فعل في الركعة الأخري مثل ذلك، حتى استكمل أربع ركعات، وأربع سجدات، وانجلت الشمس قبل أن ينصرف‏.‏

    وقد جاء إطالته للسجود في حديث صحيح، وكذلك الجهر بالقراءة، لكن روي في القراءة المخافتة، والجهر أصح‏.‏ وأما تطويل السجود، فلم / يختلف فيه الحديث، لكن في كل حديث زيادة ليست في الآخر، والأحاديث الصحيحة كلها متفقة لا تختلف‏.‏ والله أعلم‏.‏

    وسئل ـ رحمه الله ـ عن المطر، والرعد، والزلازل، على قول أهل الشرع، وعلى قول الفلاسفة‏.‏

    فأجاب‏:‏

    الحمد لله رب العالمين، أما المطر‏:‏ فإن الله يخلقه في السماء من السحاب، ومن السحاب ينزل،كما قال تعالى‏:‏‏{‏أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ‏}‏ ‏[‏الواقعة‏:‏68،69‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاء ثَجَّاجًا‏}‏ ‏[‏النبأ‏:‏14‏]‏،وقال تعالى‏:‏‏{‏فَتَرَي الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ‏}‏ ‏[‏النور‏:‏43‏]‏‏.‏أي‏:‏ من خلال السحاب‏.‏

    وقوله في غير موضع من السماء‏:‏ أي من العلو، والسماء اسم جنس للعالي، قد يختص بما فوق العرش تارة، وبالأفلاك تارة، وبسقف البيت تارة، لما يقترن باللفظ، والمادة التي يخلق منها المطر هي الهواء الذي في الجو تارة، وبالبخار المتصاعد من الأرض تارة، وهذا ما ذكره علماء المسلمين، والفلاسفة يوافقون عليه‏.‏

    / فصل

    وأما ‏[‏الرعد والبرق‏]‏، ففي الحديث المرفوع في الترمذي وغيره، أنه سئل عن الرعد قال‏:‏ ‏(‏ملك من الملائكة موكل بالسحاب، معه مخاريق من نار، يسوق بها السحاب حيث شاء الله‏)‏‏.‏ وفي مكارم الأخلاق للخرائطي‏:‏ عن على أنه سئل عن الرعد فقال‏:‏ ملك‏.‏

    وسئل عن البرق فقال‏:‏ مخاريق بأيدي الملائكة‏.‏ وفي رواية عنه‏:‏ مخاريق من حديد بيده‏.‏ وروي في ذلك آثار كذلك‏.‏

    وقد روي عن بعض السلف أقوال لا تخالف ذلك، كقول من يقول‏:‏ إنه اصطكاك أجرام السحاب، بسبب انضغاط الهواء فيه، فإن هذا لا يناقض ذلك، فإن الرعد مصدر رعد يرعد رعداً‏.‏ وكذلك الراعد يسمى رعداً‏.‏ كما يسمى العادل عدلا‏.‏ والحركة توجب الصوت‏.‏ والملائكة هي التي تحرك السحاب، وتنقله من مكان إلى مكان‏.‏ وكل حركة في العالم العلوي والسفلي فهي عن الملائكة‏.‏ وصوت الإنسان هو عن اصطكاك أجرامه الذي هو شفتاه، ولسانه، وأسنانه / ولهاته، وحلقه‏.‏ وهو مع ذلك يكون مسبحا للرب‏.‏ وآمرا بمعروف وناهيا عن منكر‏.‏

    فالرعد إذًا صوت يزجر السحاب‏.‏ وكذلك البرق قد قيل‏:‏ لمعان الماء، أو لمعان النار، وكونه لمعان النار أو الماء لا ينافي أن يكون اللامع مخراقا بيد الملك، فإن النار التي تلمع بيد الملك، كالمخراق، مثل مزجي المطر‏.‏ والملك يزجي السحاب كما يزجي السائق للمطي‏.‏

    والزلازل من الآيات التي يخوف الله بها عبادة، كما يخوفهم بالكسوف وغيره من الآيات، والحوادث لها أسباب وحكم، فكونها آية يخوف الله بها عباده، هي من حكمة ذلك‏.‏

    وأما أسبابه‏:‏ فمن أسبابه انضغاط البخار في جوف الأرض، كما ينضغط الريح والماء في المكان الضيق‏.‏ فإذا انضغط طلب مخرجا، فيشق ويزلزل ما قرب منه من الأرض‏.‏

    وأما قول بعض الناس‏:‏ إن الثور يحرك رأسه فيحرك الأرض، فهذا جهل، وإن نقل عن بعض الناس، وبطلانه ظاهر، فإنه لو كان كذلك لكانت الأرض كلها تزلزل، وليس الأمر كذلك‏.‏ والله أعلم‏.‏

    / كتاب الجنائز

    وسئل ـ رحمه الله تعالى ـ عن قوم مسلمين مجاوري النصاري‏:‏ فهل يجوز للمسلم إذا مرض النصراني أن يعوده‏؟‏ وإذا مات أن يتبع جنازته‏؟‏ وهل على من فعل ذلك من المسلمين وزر، أم لا‏؟‏

    فأجاب‏:‏

    الحمد لله رب العالمين، لا يتبع جنازته، وأما عيادته فلا بأس بها‏.‏ فإنه قد يكون في ذلك مصلحة لتاليفه على الإسلام، فإذا مات كافراً، فقد وجبت له النار؛ ولهذا لا يصلي عليه‏.‏ والله أعلم‏.‏

    وسئل عن مرارة ما يذبح وغيره مما يحـل أكله، أو يحـرم، هل يجوز التداوي بمـرارته أم لا‏؟‏

    /فأجاب‏:‏

    الحمد لله، إن كان المذبوح مما يباح أكله، جاز التداوي بمرارته، وإلا فلا‏.‏

    وسئل‏:‏ هل يجوز التداوي بالخمر‏؟‏

    فأجاب‏:‏

    التداوي بالخمر حرام، بنص رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى ذلك جماهير أهل العلم‏.‏ ثبت عنه في الصحيح‏:‏ أنه سئل عن الخمر تصنع للدواء، فقال‏:‏ ‏(‏إنها داء، وليست بدواء‏)‏ وفي السنن عنه‏:‏ أنه نهى عن الدواء بالخبيث‏.‏ وقال ابن مسعود‏:‏ إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم‏.‏ وروي ابن حبان في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏إن الله لم يجعل شفاء أمتى فيما حرم عليها‏)‏‏.‏ وفي السنن أنه سئل عن ضفدع تجعل في دواء، فنهى عن قتلها وقال‏:‏ ‏(‏إن نقيقها تسبيح‏)‏‏.‏

    وليس هذا مثل أكل المضطر للميتة، فإن ذلك يحصل به المقصود قطعاً‏.‏ وليس له عنه عوض، والأكل منها واجب، فمن اضطر إلى الميتة ولم يأكل حتى مات، دخل النار‏.‏ وهنا لا يعلم / حصول الشفاء، ولا يتعين هذا الدواء، بل الله ـ تعالى ـ يعافي العبد بأسباب متعددة، والتداوي ليس بواجب عند جمهور العلماء، ولا يقاس هذا بهذا‏.‏ والله أعلم‏.‏



    وسئل ـ رحمه الله ـ عن المداواة بالخمر‏:‏ وقول من يقول‏:‏ إنها جائزة‏.‏ فما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إنها داء وليست بدواء‏)‏ ‏؟‏ فالذي يقول‏:‏ تجوز للضرورة فما حجته‏؟‏ وقالوا‏:‏ إن الحديث الذي قال فيه‏:‏ ‏(‏إن الله لم يجعل شفاء أمتى فيما حرم عليها‏)‏ ضعيف‏.‏ والذي يقول بجواز المداواة به فهو خلاف الحديث، والذي يقول ذلك‏:‏ ما حجته‏؟‏

    فأجاب‏:‏

    وأما التداوي بالخمر، فإنه حرام عند جماهير الأئمة ـ كمالك، وأحمد، وأبي حنيفة ـ وهو أحد الوجهين في مذهب الشافعي؛ لأنه قد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الخمر تصنع للدواء، فقال‏:‏ ‏(‏إنها داء، وليست بدواء‏)‏‏.‏ وفي سنن أبي داود عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ أنه نهى عن الدواء الخبيث‏.‏ والخمر أم الخبائث، وذكر البخاري وغيره عن ابن مسعود أنه قال‏:‏ ‏(‏إن الله لم يجعل شفاء أمتى فيما حرم عليها‏)‏‏.‏ ورواه أبو حاتم بن حبان /في صحيحه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

    والذين جوزوا التداوي بالمحرم قاسوا ذلك على إباحة المحرمات كالميتة والدم للمضطر، وهذا ضعيف لوجوه‏:‏

    أحدها‏:‏ أن المضطر يحصل مقصوده يقينا بتناول المحرمات، فإنه إذا أكلها سدت رمقه، وأزالت ضرورته، وأما الخبائث بل وغيرها فلا يتيقن حصول الشفاء بها، فما أكثر من يتداوي ولا يشفي‏.‏ ولهذا أباحوا دفع الغصة بالخمر لحصول المقصود بها، وتعينها له، بخلاف شربها للعطش، فقد تنازعوا فيه‏.‏ فإنهم قالوا‏:‏ إنها لا تروى‏.‏

    الثاني‏:‏ أن المضطر لا طريق له إلى إزالة ضرورته إلا الأكل من هذه الأعيان، وأما التداوي، فلا يتعين تناول هذا الخبيث، طريقا لشفائه‏.‏ فإن الأدوية أنواع كثيرة، وقد يحصل الشفاء بغير الأدوية كالدعاء، والرقية، وهو أعظم نوعي الدواء‏.‏ حتى قال بُقْرَاط‏:‏ نسبة طبنا إلى طب أرباب الهياكل، كنسبة طب العجائز إلى طبنا‏.‏

    وقد يحصل الشفاء بغير سبب اختياري، بل بما يجعله الله في الجسم من القوي الطبيعية، ونحو ذلك‏.‏

    /الثالث‏:‏ أن أكل الميتة للمضطر واجب عليه في ظاهر مذهب الأئمة وغيرهم، كما قال مسروق‏:‏ من اضطر إلى الميتة فلم يأكل حتى مات، دخل النار‏.‏ وأما التداوي فليس بواجب عند جماهير الأئمة‏.‏ وإنما أوجبه طائفة قليلة، كما قاله بعض أصحاب الشافعي وأحمد، بل قد تنازع العلماء‏:‏ أيما أفضل‏:‏ التداوي أم الصبر‏؟‏ للحديث الصحيح، حديث ابن عباس عن الجارية التي كانت تصرع، وسألت النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو لها، فقال‏:‏ ‏(‏إن أحببت أن تصبري ولك الجنة، وإن أحببت دعوتُ الله أن يشفيك‏)‏، فقالت‏:‏ بل أصبر، ولكني أتكشف فادع الله لي ألا أتكشف، فدعا لها ألا تتكشف‏.‏ ولأن خلقا من الصحابة والتابعين لم يكونوا يتداوون، بل فيهم من اختار المرض ـ كأبي بن كعب، وأبي ذر ـ ومع هذا فلم ينكر عليهم ترك التداوي‏.‏

    وإذا كان أكل الميتة واجبا، والتداوي ليس بواجب، لم يجز قياس أحدهما على الآخر‏.‏ فإن ما كان واجباً قد يباح فيه ما لا يباح في غير الواجب؛ لكون مصلحة أداء الواجب تغمر مفسدة المحرم، والشارع يعتبر المفاسد والمصالح‏.‏ فإذا اجتمعا، قدم المصلحة الراجحة على المفسدة المرجوحة؛ ولهذا أباح في الجهاد الواجب ما لم يبحه في غيره، حتى أباح رمي العدو بالمنجنيق، وإن أفضي ذلك إلى قتل / النساء والصبيان، وتعمد ذلك يحرم، ونظائر ذلك كثيرة في الشريعة‏.‏ والله أعلم‏.‏



    وسئل ـ رحمه الله ـ عن رجل وصف له شحم الخنزير لمرض به‏:‏ هل يجوز له ذلك أم لا‏؟‏

    فأجاب‏:‏

    وأما التداوي بأكل شحم الخنزير، فلا يجوز‏.‏

    وأما التداوي بالتطلخ به، ثم يغسله بعد ذلك، فهذا ينبني على جواز مباشرة النجاسة في غير الصلاة‏.‏ وفيه نزاع مشهور‏.‏ والصحيح أنه يجوز للحاجة‏.‏ كما يجوز استنجاء الرجل بيده، وإزالة النجاسة بيده‏.‏

    وما أبيح للحاجة جاز التداوي به‏.‏ كما يجوز التداوي بلبس الحرير على أصح القولين، وما أبيح للضرورة كالمطاعم الخبيثة فلا يجوز التداوي بها‏.‏ كما لا يجوز التداوي بشرب الخمر، لاسيما على قول من يقول‏:‏ إنهم كانوا ينتفعون بشحوم الميتة في طلي السفن، ودهن الجلود،/ والاستصباح به، وأقرهم النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك‏.‏ وإنما نهاهم عن ثمنه‏.‏

    ولهذا رخص من لم يقل بطهارة جلود الميتة بالدباغ في الانتفاع بها في اليابسات، في أصح القولين‏.‏ وفي المائعات التي لا تنجسها‏.‏



    وسئل عمن يتداوي بالخمر، ولحم الخنزير وغير ذلك من المحرمات‏:‏ هل يباح للضرورة أم لا‏؟‏ وهل هذه الآية‏:‏ ‏{‏وَقَدْ فصل لَكُم مَّا حَرَّمَ عليكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إليه‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏119‏]‏، في إباحة ما ذكر أم لا‏؟‏

    فأجاب‏:‏

    لا يجوز التداوي بذلك، بل قد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الخمر يتداوي بها فقال‏:‏ ‏(‏إنها داء وليست بدواء‏)‏‏.‏ وفي السنن عنه أنه نهى عن الدواء بالخبيث وقال‏:‏ ‏(‏إن الله لم يجعل شفاء أمتى فيما حرم عليها‏)‏‏.‏

    وليس ذلك بضرورة، فإنه لا يتيقن الشفاء بها، كما يتيقن الشبع باللحم المحرم، ولأن الشفاء لا يتعين له طريق، بل يحصل بأنواع / من الأدوية، وبغير ذلك، بخلاف المخمصة، فإنها لا تزول إلا بالأكل‏.‏
    [b][center]

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس نوفمبر 21, 2024 2:12 pm